رأيت (البنت) البارحة، وقد أخذت شيئاً من الفاصوليا وشيئاً من الأرز ووضعتهما في طبق كبير من النحاس، ووضعت عليهما قليلاً من الباذنجان،
ثم شقالت: للحارس، فقد أمرتني جدتي بأن أدفعه إليه.
- قلـــت: ارجعــي ياقليلــة الــذوق هاتــي صينيــة، وأربعــة صحــون صغــار وملعقــة وسكينــا وكــأس ماء، وضعي كل جنس من الطعام في صحن نظيف، فوضعت ذلك كله في الصينية مع الملعقة والسكين والكأس.
- وقلت: الآن اذهبي به إليه. فذهبت وهي ساخطة تبربر وتقول كلاما لا يفهم.
- فقلت: ويحك.. هل خسرت شيئا؟ إن هذا الترتيب أفضل من الطعام، لأن الطعام صدقة بالمال، وهذه صدقة بالعاطفة، وذلك يملأ البطن ويسر القلب، ويشعر الحارس بأنه صديق عزيز أو ضيف كريم.
أما الصورة الأولى لتقديم الطعام فإنها تذل الحارس، وتشعره بأنه شحاذ مُنَّ عليه ببقايا الطعام.
وتلك ( يا أيها القراء) الصدقة بالمادة، وهذه الصدقة بالروح، وهذه أعظم عند الله، وأكبر عند الفقير، لأن الفرنك تعطيه السائل وأنت مبتسم له، أندى على قلبه من نصف الليرة تدفعها إليه متنكراً له متكبرا عليه
والكلمة الحلوة مع الخادم أبرد على كبده من العطية الجزيلة مع النظرة القاسية
وأن تستقبل (يا أيها الموظف الكبير) رفيقك في المدرسة مرحباً مؤنسا طارحا الكلفة مظهرا الألفة، ثم تقضي له بعض حاجته، أبر به وأسر إلى نفسه من أن تقضي له حاجته كلها وأنت متجهم له، مترفع عنه، تعامله كما يعامل الموظف الكبير (مراجع) لا يعرفه..
هذه الكلمات وتلك القصة الجميلة أنقلها لكم وقد أعجبتني كثيراً خصوصا أن الراوي لها لا يفرق بين مفهوم الصدقة بالمال والصدقة بالعاطفة، وهو مفهوم جميل وجديد